تحولت الثقافة في زمن البث الفضائي إلى مظهر ضروري مثل الجوال، والكمبيوتر، ولأن الثقافة تحتاج إلى زمن طويل، وجهد شاق، تم اختراع الثقافية الاستهلاكية، فهي تعطي انطباعا بالثقافة وان لم يكن صاحب هذا الانطباع مثقفا بالضرورة. وبعد إجراء الكثير من الدراسات تبين أن أهم النصائح المفيدة للذين يريدون أن يظهروا كمثقفين هي: أولا: يجب الإشارة بمناسبة وبدون مناسبة أن لوحة لموناليزا- والمعروفة أيضا باسم لجوكندا- أهم لوحة في تاريخ البشرية، ابتداء من الخربشات على حيطان الكهوف، وصولا إلى رسوم الكمبيوتر. وإذا رغبت أن تبدو مثقفا مميزا فقل وأنت تغمض عينيك انه عندما تشعر بالحزن فانك ترى (الموناليزا) في قمة التعاسة، وكأنها مجرد متسولة بلهاء تقف جانب الساعة الجديدة. أما عندما تكون سعيدا فانك ترى (الموناليزا) تبتسم وكأنها فاتن حمامة في فلم (أفواه وأرانب). ولهذا السبب أنا أعطي انطباعا بأنني غير مثقف، لأنني غير معجب بهذه اللوحة، بل أجدها ذات مستوى متواضع بالمقارنة مع لوحات (دافنشي) الأخرى مثل العشاء الأخير، وللمصداقية التاريخية أقول إن الصورة القديمة لجدتي في الأبيض والأسود أجمل منها لأنها تشعرك بالحنان برغم قسوة قلبها وجملتها الشهيرة (لا تشوفوني عم اضحك بس قلبي مشحور). ثانيا: يجب أن تقول انك ضد فن الرقص الشرقي لأنه فن منحط وهو كله هز بطن، وانك تفضل رقص الباليه لأنه يعبر بالجسم وإشاراته عن الروح وما يختلج في النفس من رؤى فكرية. وحاول أن لا تقول هذا الكلام أمام طفل، ليس من باب اللياقة، ولكن لان الصغير قد لا يفهم كلامك ويسألك كيف يعبر الإنسان بأصابع قدمه عن فكرة ما، مثل الشعور بأنه جائع مع انه ليس لديه رغبة في النوم باكرا!. وطبعا يجب أن تؤكد أن جسد راقصة الباليه الذي يذكرك بسوء التغذية، أجمل من جسد طري ناعم يجعلك تشعر أن الأصابع لم تخلق لأجل تناول القداحة وإشعال السيجارة وعد النقود فقط. ثالثا: يجب أن تفاخر بأنك تشرب القهوة بدون سكر، وانك تفضل تناول (البيتزا) على (الشنكليس). وبالمناسب اعتقد أن (الشنكيش) اعقد أكلة في تاريخ البشرية، يكفي أن تفكر في طريقة إعداده التي تطول لمدة شهور من المراقبة. ولاشك أن الشعب الذي اخترع هذا الطعام العجيب لديه القدرة على اختراع الأقمار الصناعة لولا بطش (الحجاج) وأمثاله في تاريخنا القديم المثقل بالسفاحين حتى التخمة. رابعا: يجب أن تدعي انك تستمتع بـ(الأوبرا) أكثر من أغنية (ياريتاني من عرب شمر) وبالناسبة أنا أحب هذه الأغنية مع الفيديو كليب الذي يجعلني كلما سمعتها أفكر في البدوية (نورة) التي يبحث عنها المغني (صلاح عبد الصبور) منذ سنوات دون جدوى، وهذا يذكرني أيضا بـ(صباح فخري) الذي يجهل حتى الآن من أين يأتون (بالقراصية). خامسا: إذا دخلت معرضا تشكيليا ورأيت كائنات تشبه الإنسان، كان ترى مثلا رجل متورم البطن مع انه غير حامل، أو امرأة في ساقيها دوالي عملاقة، أو إذا رأيت أشلاء آدمية في لوحة مثقلة بالألوان الملطخة كأن إرهابيا فجر قنبلة في (باص) مزدحم ،فهز راسك بإعجاب وقل على طريقة الأفلام المصرية (إيه داه.. دي حاجة هايلة خالص). سادسا: يجب أن تقول أن (إحسان عبد القدوس) كاتب محدود المخيلة وتافه، وانك تفضل قراءة (فرانز كافكا) لأنه أكثر إمتاعا، ولا داع لقراءة إعمال هذا الكاتب السوداوي، يكفي أن تقول انه روايته المسخ تعبر عن الأم البشرية في زمن انحطاط الأخلاقي المنبثق من تيار الوجودية التي يجعلك تغرق إلى قمة راسك في الفلسفة دون أن تنتبه أن المصادفة وحدها جعلتك تقع في فتحة (مجارير) لا غطاء لها. أخيرا: كما يجب أن تكثر من إقحام كلمة (لوجيا) في كلامك بمناسبة ودون مناسبة، فإذا كنت تتحدث عن شخص محدد قل (سيكولوجيا) أما إذا كنت تتحدث عن مجموعة أشخاص فقل (سوسيولوجية) وإذا كنت تتحدث في موضوع عام فقل (إيديولوجيا) وإذا كنت تتحدث عن أشياء خارقة فقل (باراسكولوجيا) وإذا كنت تتحدث عن صفحة (استراحة الأربعاء) فقل (جرائدلوجيا) أو (صحفلوجيا) أما إذا كنت تريد التحدث عني شخصيا فبإمكانك أن تقول (سامرلوجيا) أو (شماليلوجيا)...!‏ المصدر: العروبة-حمص سامر أنور الشمالي