هناك مسلمات تشاطرنا حياتنا اليومية إلا إنها تعبر أمام أعيننا كومضة دون أن تترك أثرا ماديا على وقع خطانا , إلا أن لها آثارا اجتماعية تقحم نفسها على رتابة أيامنا رغما عنا لتوهمنا بوجود بعض عناوين تغلف الحقائق القائمة والماثلة أمام أعيننا , ونحن ننظر الى
هذه الحقائق والعديد من مسلماتها على أنها بديهة لا تحتاج منا الى دعم أو الأخذ بيدها , حتى بات حضور الكثير من مفردات عاداتنا لا تمت الى عراقة مجتمعنا بصلة , وغالبا ما تختفي هذه الحقائق بوجهها الجميل الآسر , إلا أن هذا التخفي لا يلغي جمالها ولا عظمة أثرها .. فكثرة التصفيق لبعض الوجوه القبيحة لن يخفي جمال الوجوه الحقيقية , والريح مهما اشتدت لن تلغي شذى الورود إلا الى حين .. وتفنن حيوانات الغابة بقتل فرائسها لا يدل على شجاعتها , وكبر حجم الدب وسطوه على خلايا النحل لايدل على كبر عقله , وصغر حجم النحلة لا يقلل من عظمتها , وتردد الثعالب على القن ليخطف دجاجاته ليس دليلا على ذكائه .. وقوة سطوع الشمس لن تزيد من بصيرة الأعمى ووضوح الكلمات لن تفهم المدعون بريادة كاذبة أن عليهم التخلي عن أماكنهم ومواقعهم الاجتماعية وغير الاجتماعية لرواد حملوا على أكتافهم رايات حقيقية وسموا الهمة .. والكلام الجميل لا يحمل دائما معاني جميلة , والعصا العوجاء لن تعطي أبدا ظلالا مستقيمة مهما زدنا من شدة النور عليها , وظلمة بعض الحبر قد تنير الكثير من العقول المعتمة , والكثير من النور يعجز عن إضاءة نقطة حبر صغيرة ... وذمنا لضوء الشمس أو مدحنا لأشعتها لن ينقص أو يزيد من بهائها .. وليس كل قلم مستقيم يكتب بالضرورة كلاما مستقيما , والعصافير المغردة لا تغرد بطلب رسمي من أحد كذلك لا يهمها شكل الآذان التي تصغي إليها , والنهر العظيم لا يكترث بخرير السواقي ولن يتوقف عن التدفق إذا صحنا في وجهه , كالقمر إذا تغزلنا بضوئه أو هجينا هلاله سيبقى مبتسما ولن يهرب أو يغيب .. وقد تحجب الغيوم نوره لكن الى حين .. ومن كان السوء يسكن بداخله فلن يغري بمظهره الأنيق سوى أمثاله مهما تسلق على حساب رفاقه وصولا الى مبتغاه , فكل رأس ينتفخ بالحسد والنفاق والنميمة قد يحقق بعض مآربه لكن الى حين إنه كالسجائر ملمسها ناعم وأنيق ولونها أبيض جميل وفي داخلها يكمن السم ويختبئ الموت البطيء ... إن حقائق مجتمعنا ستبقى زاهية كالورود فهي أبدا لا تتعفن بل تذبل وتجف لتنثر شذاها على حياتنا من جديد .. إذا احتفظنا بها وعرفنا قيمتها وقيمة ما تحمله ...؟؟
جريدة العروبة.
|
الكاتب: بسام عمران |